مقالة: واقع مصادر الطاقة الكهربائية الحالية في الكويت…ومستقبل الطاقة المتجددة
م سالم محسن الحبيط
عضو هيئة تدريب
عضو لجنة الطاقة المتجددة في جمعية المهندسين
أصبح العالم بأكمله يشعر بهاجس وناقوس خطر نقص “الطاقة الكهربائية” في المستقبل، وتولد هذا الهاجس في منظومة الطاقة الكهربائية بسبب عدة جوانب، أولها بسبب الزيادة المأهولة للطلب على الطاقة بسبب التوسع العمراني والمباني الشاهقة وبسبب أيضا التقنيات الحديثة والذي زادت من استخدام والحاجة للكهرباء. ويأتي الجانب البيئي والصحي أحد الجوانب المهمة التي دعت الى الاهتمام بالطاقة، كون مصادر الطاقة التقليدية الحالية من أكبر مسببات الرئيسية في التلوث البيئي لاعتمادها الكبير على عملية الاحتراق مما ينتج منه غازات تلوث الهواء، وبقع تلوث التربة والمياه وغيرها. ويعتبر التطور الكبير الذي طرأ على منظومة الطاقة المتجددة سواء كان من الجانب التقني أو الاقتصادي جعلها تصبح خيارا مهما في توليد الطاقة الكهربائية بسبب حيويتها المستمدة من الطبيعة.
واقع مصادر الطاقة الكهرباء الحالية
في الوقت الحالي تستمد بلدنا الطاقة الكهربائية عن طريق سبع محطات توليد عن طريق مصادر الطاقة التقليدية والتي تعتمد على الوحدات البخارية والوحدات الغازية، يبلغ اجمالي الطاقة المولدة ما يقارب 14.7 جيجاوات.
الشكل:
ونلاحظ من الجدول السابق أن انشاء المحطات مرت في عدة المراحل، بدأت الفترة الأولى 1974 الى 1983 وتمثلت في انشاء ثلاث محطات وهي الشعيبة الجنوبية والدوحة الشرقية والدوحة الغربية بقدرة انتاجية تبلغ 4362 ميجاوات، والتي فاقت خدمتها أكثر من ثلاثين سنة في والذي أثر الاستهلاك في عمرها الافتراضي.
وتأتي الفترة الثانية في 1987 و1998 وكانت تشغيل محطتي الزور الجنوبية والصبية على التوالي، ودعمت الشبكة الكهربائية بقدرة انتاجية تبلغ 4800 ميجاوات.
ونعلم جميعا أن البلد مرت بأزمة كهربائية شديدة في الفترة ما بين 2003 إلى 2006 أدت إلى تعرضها لعدة انقطاعات مبرمجة بسبب زيادة استهلاك الحمل الكهربائي الغير متوقعة والتي وصلت للأرقام القصوى كان سببها الرئيسي القرار الذي تم اتخاذه في عام 1996 بوصفه أن انشاء المحطة الثامنة “الزور الشمالية” لا تستحق صفة الاستعجال.
واتخذت الجهات المسئولة معالجة هذه الأزمة بخطوتين الأولى زيادة الطاقة الانتاجية للمحطات الحالية والذي كان يتطلب فترة زمنية تقارب سنتين والخطوة الثانية كانت بتطبيق مشروع “ترشيد” الذي قدمته جمعية المهندسين والذي من خلاله تخطت البلد أزمة انقطاع الكهرباء في صيف 2006.
وكانت الفترة الثالثة ما بين 2005 الى 2011 تمثلت في دعم المحطات القائمة بقدرة تبلغ 752 ميجاوات، كما تمثلت بانشاء محطتي الشويخ والشعيبة الشمالية 2007 و2009 بقدرة انتاجية 252 ميجاوات و857 ميجاوات على التوالي.
13 GW
21.6 GW
18.8 GW
16.5 GW
وكانت تلك خطوات تعالج أزمة الكهرباء بشكل مؤقت ينذر بمستقبل مظلم خاصة أن مشروع محطة الزور الشمالي لم يظهر على أرض الواقع حتى الآن!!!
انطلاقة مشروع الطاقة المتجددة
وكان مؤتمر الأمم المتحدة الثامن عشر للتغير المناخي بالدوحة في 4 ديسمبر 2012، بداية انطلاقة مشروع الطاقة المتجددة حين أعلن سمو أمير البلاد حفظه الله أنه سيتم توفير نحو 15 في المئة من الطلب على الطاقة الكهربائية في البلاد من المصادر المتجددة في عام 2030.
وكان ذلك مشروع “مجمع الشقايا للطاقات المتجددة” الذي تشرف عليه معهد الكويت للأبحاث العلمية مع بعض الجهات الأخرى، حيث يعتبر هذا المشروع من المشاريع المهمة في العالم الذي يجمع مزيجا من تقنيات الطاقة المتجددة تحت ادارة واحدة لتشمل تقنيات الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية المركزة وطاقة الرياح.
ويتوقع أن ينتهي من هذا المشروع الضخم في عام 2030 بتنفيذه على ثلاث مراحل موضحة بالشكل:
حيث أن المرحلة الأولى قد بدأت بالفعل في يونيو الماضي وتشمل تجهيز البنية التحتية وعملية التصميم والتحضير، وأيضا انشاء وتشغيل أول محطة متكاملة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة ومتعددة تنقسم بدورها الى ثلاث محطات جزئية هي محطة الشقايا للطاقة الشمسية الحرارية بسعة 50 ميجاوات بقدرة تخزينية تصل الى 10 ساعات متواصلة ومحطة الشقايا للطاقة الشمسية الكهروضوئية بسعة 10 ميجاوات ومحطة الشقايا لطاقة الرياح بسعة 10 ميجاوات ليكون اجمالي هذه المرحلة 70 ميجاوات والمتوقع من انتهائها في عام 2015.
وتبدأ بعدها المرحلة الثانية لمدة خمس سنوات من 2015 الى 2020 بقدرة انتاجية تصل الى 930 ميجاوات بتقنياتها الثلاث. وتتمثل المرحلة الثالثة والأخيرة في السنوات العشر من 2020 الى 2030 بقدرة انتاجية تبلغ 1 جيجاوات ليكون اجمالي القدرة الانتاجية الكلية من هذا المشروع الى 2 جيجاوات موزعة 713 ميجاوات بواسطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، و1150 ميجاوات من الطاقة الشمسية الحرارية المركزة و142 ميجاوات من طاقة الرياح.
وعن توقعات معهد الكويت للأبحاث العلمية حول إنتاج الطاقة الكهربائية من ناحية الاقتصادية ان تكلفة انتاج طاقة الرياح تشير الى ان كل كيلوات ساعة يكلف 35 فلسا (12 سنتا)، وان تكلفة إنتاج الطاقة الكهروضوئية تتراوح بين 50 و60 فلسا أي (18-21 سنتا) للكيلوات ساعة و كذلك الطاقة الشمسية الحرارية بتكلفة تتراوح بين 75 و65 فلسا أي (23-26 سنتا) لكل كيلوات ساعة، مقارنة ب 40 فلسا أي (14 سنتا) لكل كيلوات ساعة من الطاقة التقليدية.
ومع تخطي أسعار النفط العالمية حاجز ال 70 دولارا للبرميل وصولا الى 100 دولار جعل من الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أمرا مجديا اقتصاديا حيث شهدت أسعار إنتاج الطاقة الكهرباء من الشمس و الرياح هبوطا حادا خلال الاعوام الخمسة الماضية حتى أصبحت تنافس مصادر الطاقة التقليدية كما ذكرنا سابقا. كما لهذا المجمع مردوداً بيئياً مهما يتمثل في الحد من انبعاث ثاني اكسيد الكربون بمقدار 196 الف طن سنويا في المرحلة الاولى وصولا الى ما يقارب 5 ملايين طن بعد انتهاء المرحلة الثالثة والأخيرة من المشروع.
التحديات القادمة
أول هذه التحديات القادمة المتوقع أن يواجهها هذا المشروع الضخم يتمثل بسن تشريعات محلية خاصة للطاقة المتجددة تتناسب مع التشريعات والمواصفات العالمية القياسية لتنظم كثير من جوانب الطاقة المتجددة تبدأ من تصنيف وتأهيل المواد المصنعة ومدى ملائمتها في الاستخدام. وتشريعات قانونية تساهم في تنظيم استعمال الطاقة المتجددة سواء عن طريق الافراد أو الشركات والمؤسسات، وتنظيم عملية الحوافز والعقوبات التي قد تنتج من اساءة الاستعمال والممارسات السلبية كما هو معمول فيه في الكثير من الدول المتقدمة.
ويعتبر عدم جهازية السوق المحلي للانخراط في التفاعل مع “مشروع الشقايا” الضخم القادم من أهم التحديات المتوقعة خاصة في مجال التصنيع والتركيبات الفنية مما قد يسبب زيادة على الاستيراد الخارجي وقد يضاعف هذا من التكلفة العامة وسيضعف من حركة جدوى الاقتصاد الداخلي.
والتحدي الثالث المتوقع والذي بدأت الكثير من الجهات بالتوجه له هو تأهيل الكوادر الوطنية المدربة لتغطي أماكن فرص العمل الكثيرة المتوقع توفرها من هذا المشروع. كما يحتاج هذا المشروع أن تكون لديه رؤية لإدارة خدمات المشروع بعد التنفيذ مما يساهم في المحافظة على تحسين أداء المشروع ويزيد من عمره الافتراضي بأفضل كفاءة.
ويعتبر دور الوعي العلمي والمجتمعي مهم جدا في كل مراحل المشروع مما يعزز الممارسة السليمة سواء من الأفراد أو الشركات والمؤسسات في استخدام واستثمار تطبيقات الطاقة المتجددة. وطرق الوعي المجتمعي كثيرة حيث يجب أن تكون خطوات مدروسة من الدولة تضمن لها الوصول لدرجات عليا من الثقافة والمعرفة عند المواطنين وغيره بأهمية وقوانين هذه المنظومة.
وكانت تجربة مخيم جمعية المهندسين الكويتية في الموسم الربيعي 2012-2013 من أكبر الحملات التثقيفية والتوعوية والتي عززت الكثير من القيم البيئية من أهمها طريقة تصميم وتنفيذ نظام المنفصل للطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح وتوضيح أهمية الطاقة المتجددة من ناحية التقنية والبيئية. وتخطى عدد زوار المخيم في الموسم الماضي أكثر من 1200 زائر من طلبة مدارس وجامعات ومواطنين من مختلف المؤسسات والشركات الخاصة والنفطية وغيرهم من الوافدين.