م. فيصل سالم اليماني
عملية حماية المنشآت ومعالجتها من صدأ حديد التسليح من أولويات الدراسات الخاصة بالمنشآت الخرسانية، فإغفالها وإهمالها يسبب الخسائر المادية والبشرية وزيادة مستمرة في تكاليف إنشاء وتشغيل تلك المنشآت..
خصوصاً في المناطق ذات العوامل والظروف القاسية وغير الملائمة حيث تؤثر الظروف البيئية السائدة في المدن الساحلية على متانة المواد الإنشائية المستخدمة في المباني الخرسانية إذا لم تتوفر الحماية اللازمة لها من التآكل، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلا حصرت تكلفة الصدأ السنوية في العقد السابق بحوالي 150 مليون دولار نتيجة لمشاكل الصدأ على المباني والجسور والتي تحدث في أمريكا وأوروبا نتيجة إذابة الجليد باستخدام الملح.
وفي المملكة المتحدة أيضاً تقدر تكلفة إصلاح الجسور نتيجة للصدأ في حديد التسليح بحوالي 616 مليون جنيه إسترليني وهذا بإنجلترا وويلز (1989م) وهي فقط 10 % من إجمالي الجسور في المملكة المتحدة.
العمر الافتراضي:
إن العمر الافتراضي للمباني السكنية الخرسانية لا يقل عن خمسين عاما- كحد أدنى – وفقا للمعايير الدولية للتصميم المنشآت الخرسانية. ويجب أن تقاوم هذه المباني خلال هذه الفترة جميع العوامل الطبيعية والتشغيلية التي تؤثر على جودة ومتانة المنشأة (مكوناتها الإنشائية)دون الحاجة الى إصلاحات رئيسية (طبعا مع الالتزام بتنفيذ أعمال الصيانة الدورية والوقائية اللازمة لها).
إن أكثر البيئات تأثيرا على عمر المنشأة الخرسانية المسلحة هي البيئة البحرية بشكل عام من خلال عدة عوامل أهمها:
1- درجة الحرارة ونسبة الرطوبة في الجو.
2- درجة احتواء الغبار والرطوبة من الأملاح الضارة.
3- درجة تركيز الأملاح الضارة في التربة.
وهذه العوامل تحدث تفاعلاً كيميائياً مع الخرسانة العادية أو المسلحة مما يؤدي إلى تحليل المكونات الرئيسية للخرسانة، وتآكلها مع التأثير السلبي على قضبان الحديد الأمر الذي يؤدي الى تأكسدها ومن ثم تآكل الحديد وتكون طبقة من الصدأ تعمل على تشقق الخرسانة.
صدأ الحديد:
يتكون الصدأ بوجه عام نتيجة تعرض الحديد للهواء والماء , يبدأ صدأ حديد التسليح في التكون من نقرة صغيره (Pit Formation) في السيخ ثم تزداد هذه النقر ويحدث اتحاد بينها مما يكون الصدأ العام.والخرسانة بطبيعتها مادة مسامية تحوي رطوبة ولذلك من الطبيعي حدوث صدأ للحديد بداخلها!!!
– ومن الأسباب غير المباشرة لتكون الصدأ البكتيريا الموجودة بالتربة، والتي تقوم بتحويل الأملاح والأحماض إلى حمض الكبريتيك الذي يهاجم الحديد ويسبب عملية الصدأ.حيث تتآكل الخرسانة نتيجة للتفاعل الكيميائي الذي يحدث بين الكبريت الذائب (Soluble Sulphates) مع الأسمنت مما يؤدي إلى ضعف متانتها وبالتالي إلى تصدعها وتفتت أجزائها.
من المعلوم ان قلوية الخرسانة تعمل على وضع طبقة حول حديد التسليح تقوم بحماية الحديد من الصدأ بتكون طبقة قلوية كثيفة تمنع حدوث الصدأ (طبقة حماية سلبية). ويحدث الصدأ نتيجة تكسير طبقة الحماية السلبية التي تحول دون وصول أملاح الكلورايد والأملاح الضارة على الخرسانة الى حديد التسليح.
وتدخل هذه الأملاح الى جسم الخرسانة عن طريق عوامل خارجية مثل:
1. التربة المحيطة بالخرسانة.
2. الرياح المحملة بغبار يحتوي على الأملاح.
3. رذاذ المياه المشبع بالأملاح في المباني القريبة من البحر أو المواد التي تدخل في الخلطة الخرسانية مثل الرمل والحصى والمياه التي تحتوي على نسبة عالية من الأملاح.
عمليا هناك عدة عوامل تؤدي إلى كسر هذه الطبقة تتمثل في :
1- الكربنة Carbonation : من الجو المحيط بالخرسانة.
2- مهاجمة الكلوريدات للخرسانة (من التربة المحيطة بالخرسانة والمواد المستخدمة بالخلطة الخرسانية وعدم استخدام المياه المناسبة للخلط).
كما أن دخول الأملاح الأخرى إلى مسامات الخرسانة وتبلورها بداخلها يتسبب في تفكك الأجزاء الخارجية للخرسانة تدريجيا» وتظهر هذه المشكلة في الخرسانة الموجودة بالقرب من المياه المالحة والرمال المشبعة بالأملاح. وتتفاوت درجة تأثير تلك العوامل على الخرسانة بتفاوت نفاذية الخرسانة حيث كل ما زادت النفاذية زاد تأثير العوامل السابقة.
معدل الصدأ يرتبط بعوامل كثيرة، وتعتبر الرطوبة ودرجة الحرارة عوامل رئيسيه ومؤثرة بدرجة كبيره جدا في معدلات الصدأ ولذلك يجب التحكم في تلك العوامل للحيلولة دون الوصول الى مشكلة فنية واقتصادية على المنشأة الخرسانية..
حماية المنشأة الخرسانية المسلحة من التآكل:
الوقاية خير من العلاج وإذا تم الحفاظ علي المنشاة الخرسانية من التعرض للصدأ يكون ذلك أكثر واقعية وحفاظاً على الثروة الوطنية. ويتم تفادي صدأ حديد التسليح في الخرسانة بالتقيد بمواصفات التصميم والتنفيذ وباتباع الكودات المختلفة الخاصة بتصميم القطاعات الخرسانية والتي تعمل علي تقليل احتمالات حدوث الصدأ في حديد التسليح. ومن العوامل المهمة في حماية المباني الخرسانية من صدأ حديد التسليح طريقة استخدام الخرسانة وتحديد محتوي الإسمنت والاهتمام بالمعالجات الخرسانية أثناء التنفيذ.
هناك طرق مختلفة لحماية حديد التسليح من الصدأ من أهمها:
1- الحماية الكاثودية تعتبر في الوقت الحالي أفضل طرق الحماية للمنشآت الخرسانية للمناطق الساحلية وخصوصاً منشآت مياه البحر لتبريد المصانع، لكنها مكلفة نسبيا لذلك يفضل إجراء دراسة هندسة قيمية لاختيار الطريقة التي تفي بالغرض.
2- إضافة بعض المواد الى الإسمنت لتقليل نفاذيته: قد تكون هذه العملية اقل كلفة من الحماية الكاثودية ولكن عمر حمايتها اقل بكثير من الحماية الكاثودية لذلك نحتاج الى الهندسة القيمية لاختيار طريقة الحماية.
3- موانع الصدأ: وهي نوعان يعتمد النوع الأول علي حماية الطبقة السلبية حول حديد التسليح ويعتمد النوع الآخر على منع توغل الأكسجين داخل الخرسانة.
4- استخدام الحديد المجلفن Galvanized Bar ويعتبر الحديد المجلفن ذا كفاءة مناسبة خصوصا للمباني التي تتعرض للكربنة.
5- دهان حديد التسليح بـ (الابوكسي) هذه الطريقة أعطت نتائج إيجابية وخاصة لحديد التسليح المعرض لمياه البحر، لكن ينصح بعدم طلاء حديد التسليح بـ(الإبوكسي) لأنه في حالة حدوث الصدأ لا يمكن حمايته بالحماية الكاثودية ولأنه في حالة حصول قصور في الطلاء فسيسرع عملية الصدأ في حالة وصول الكلورايد إليه.
6- حديد ستنلس ستيل Stainless Steel : نظرا لارتفاع تكاليف هذا النوع من الحديد فإن لاستخدامه يتم في نطاق محدود.
7- حماية أسطح الخرسانة من النفاذية: وذلك إما باستخدام مادة سائله يتم رشها أو دهانها أو ألواح وطبقات من المطاط أو البلاستيك.
مراحل الصيانة والحفاظ على المنشأة الخرسانية:
اختيار المواد وأسلوب العمل يجب أن يكون معتمداً على دراسات دقيقة، و موثوق منها من خلال المختبرات المتخصصة، وذلك لتقييم مدى فعاليتها ومدى ضررها في بعض الأحيان ، ويمكن اعتبار التدرج الطبيعي لأعمال الحفاظ، ولكنه لا يعني ضرورة الالتزام به في كل الأحيان على النحو التالي:
1- التنظيف: إزالة الأملاح والمواد الضارة على سطح المبنى وهذا يقتصر على إزالة الأجسام الغريبة مع الحفاظ على كل الخصائص الأصلية للسطح المراد تنظيفه.
يمكن أن تسبب أعمال التنظيف مشاكل فنية يجب التعامل معها بحذر شديد لتجنب أي تلف أو ضرر، وتحافظ على تواصل طبيعة السطح، فمثلاً في حالة وجود تشققات على السطح فإنه من خلال التنظيف يمكن أن تتسرب المياه وما يتبعها من الغبار والأجسام الضارة إلى داخل هذه التشققات. وقد تعددت طرق التنظيف المسموح بها كاستخدام الماء بالرش، الكمادات المائية، المحاليل المخبرية،اللدائن، استخدام الليزر، وهناك أيضا العديد من الطرق الميكانيكية في حال السطوح المتماسكة،….. إلخ.
2- اللصق : هو إعادة تركيب جزء أو أجزاء سقطت من السطح المراد ترميمه باستخدام مواد لاصقة أو معدنية تربط بين الجزء المضاف والسطح.
المواد اللاصقة لا بد أن تحتفظ بالمعايير الآتية:
– فعالية جيدة في اللصق.
– مدة طويلة في الفعالية.
– تقلص ضئيل في كثافة المادة.
– مرونة وصلابة حسب الوضع الخاص.
– الخصائص الميكانيكية يجب أن تتشابه لحد كبير من السطح المراد لصقه.
– استخدام قضبان معدنية لربط المواد على أن يكون معامل التمدد لها يتشابه مع المواد المراد لصقها وتتسم بثبات كيميائي جيد.
– يجب الحذر من استخدام قضبان معدنية قابلة للصدأ مثل الحديد والنحاس.
3- المعجنة: هي تعبئة الفراغات والتشققات وإغلاقها للوصول إلى تجانس نوعي للمادة وضمان استمرارية المواد وحمايتها من التعرض للمياه أو العوامل الطبيعية الأخرى التي تساعد في تآكلها وتلفها.
4- يجب اختيار نوعية المعجنة المناسبة لكل حالة بحيث يكون الناتج النهائي قريب من السطح المراد معجنته وخاصة فيما يتعلق بالمسامات والقدرة على امتصاص الماء والمقاومة الميكانيكية، مقاومة الضوء والتمددات الحرارية، بخلاف ذلك يجب أن تكون متشابهة من الناحية البصرية.
5- التثبيت والتقوية: هي استخدام مادة لزجة أو محاليل تعمل لدى وضعها على السطح على تقوية الترابط بين جزيئات المادة التي تعرضت لتفكك أو تلف بسبب عوامل الزمن أو أي أسباب أخرى.
تتم عملية إزالة الأملاح قبل البدء في أعمال التقوية، ثم تبدأ أعمال التقوية تكون على مراحل في جو معتدل، حيث أن سرعة تطاير المذيبات العضوية سوف تتسبب في تغير نسبة المحاليل كما أنها تؤدي إلى تراكم مواد التقوية على سطح المبنى؛ ويجب البدء بمحاليل مخففة وبعد جفافها تستخدم محاليل أكثر تركيزاً وهكذا تتم عملية التقوية.
6- الحماية: تتم أعمال الحماية من خلال استعمال مواد كيميائية وغير كيميائية تهدف إلى تبطيئ عملية التلف التي تتعرض لها المادة. ويفضل أسلوب الحماية باستخدام المواد الكيماوية في الحالات التي يكون التلف مؤثر بشكل دقيق على السطح الخارجي من المادة (تلوث بيئي، رطوبة،… الخ). بينما لا ينصح باستعمال هذه الطريقة في حالة كون المادة قادرة على امتصاص الماء من خلال الخاصية الشعرية من الأرض وفي حالة وجود تسرب مياه في مناطق يصعب الوصول إليها.
7- الترميم: ويعني استكمال الأجزاء والعناصر المفقودة. ويجب تحديد نسبة صلابة الحجر المراد ترميمه بالنسبة لصلابة المواد المستخدمة في الترميم عند الجفاف؛ حيث تملأ الفجوات والشقوق إلى مستوى أقل من مستوى سطح استخدام اللدائن الصناعية القوية مثل الايبوكسي أو الأرالديت أو البولي أو الماريكوريزن.
الصيانة والكشف الدوري:
ونظرا للوجود المستمر للعوامل السلبية التي تفتك بالخرسانة المسلحة وتهدد السلامة العامة للمنشأة يجب المحافظة على الوجود المستمر لنظام الكشف الدوري لأسطح الخرسانة المسلحة وفي حالة ملاحظة تصدعات أو آثار تدهور بسبب تآكل حديد التسليح ينصح بإجراء عمليات الصيانة والإصلاح المباشر لتفادي استمرار تدهور الخرسانة وتشمل طرق الإصلاح:
1. إزالة أجزاء الخرسانة المتضررة إلى ما وراء حديد التسليح بعمق 25مم وتنظيف حديد التسليح جيدا من الصدأ الموجود على سطحه.
2. طلاء الحديد بمواد خاصة لهذا الغرض كالإيبوكسي المشبع بالزنك.
3. القيام بتجهيز المواد الاسمنتية البديلة ووضعها مكان الخرسانة المزالة وذلك حسب الموصفات وإرشادات الجهة المصنعة لهذه المواد.
4. يفضل أن تطلى أسطح الخرسانات بعد الانتهاء من إصلاحها بمواد عازلة وذلك لتحسين أدائها المستقبلي.
5. استخدام دهانات مقاومة للعوامل الجوية في المناطق الساحلية.
وفي حال التصدعات الكبيرة فإن عمليات الإصلاح تستدعي وجود أخصائيين في هذا المجال لتقويم مدى تأثير هذه الأجزاء الخرسانية المتضررة على سلامة المبنى واختيار المواد وإعداد طرق الإصلاح وفي كل الحالات يجب الحرص على إتباع إرشادات الجهات المصنعة لمواد عمليات الإصلاح.